عودنا للمقام الرفيع Options

اختصاص حقيقة الحمد أبلغ من اختصاص الأفراد لاستلزام الأول الثاني فيجاب عنه بأن اختصاص الأفراد الخارجية والذهنية كما قررنا مستلزم لاختصاص الحقيقة أيضا إذ لم يبق لها فرد غير مختص فأين توجد فالاستلزام متعاكس على أن حقيقة الحمد يصدق عليها الحمد فهي فرد من أفراده كما قال الدامغاني: فإذا خصص جميع أفراد الحمد به اختص حقيقته أيضا وكون الأصل نحمد الله تعالى حمدا ليس بقاطع احتمال الاستغراق الآن فقد تغير الحال، وأنت إذا تأملت بعد يرتفع عنك سجاف الاشكال ولست أقول إن الحمد أينما وقع يفيد ذلك بل إذا دعا المقام إليه أجبناه ولهذا فرقوا بين هذا الحمد وحمد الانعام إذ عموم الربوبية وشمول الرحمة واستمرار الملك هنا تقتضي استغراق الأفراد توفية لحق هذه السورة وحرصا على التئام نظمها بخلاف ما في تلك السورة فإن العمومات مفقودة فيها «ومن الغريب» أن بعضهم جعلها للعهد، قال الفاكهي: سمعت شيخنا أبا العباس المرسي يقول قلت لابن النحاس ما تقول في الألف واللام في الحمد أجنسية هي أم عهدية؟ فقال يا سيدي قالوا: إنها جنسية فقلت له الذي أقول إنها عهدية وذلك أن الله تعالى لما علم عجز خلقه عن كنه حمده حمد نفسه بنفسه في أزله نيابة عن خلقه قبل أن يحمده فقال أشهدك أنها للعهد واستأنس له بما صح عنه صلى الله تعالى عليه وسلم من

وهو ظاهر فيه ولعل ابن عباس من هنا قال به في الآية إذا قلنا بثبوت ذلك عنه وهو الظن الغالب فمن استعان بغيره في المهمات بل وفي غيرها فقد استسمن ذا ورم ونفخ في غير ضرم أفلا يستعان به وهو الغني الكبير أم كيف يطلب من غيره والكل إليه فقير؟ وإني لأرى أن طلب المحتاج من المحتاج سفه من رأيه وضلة من عقله فكم قد رأينا من أناس طلبوا العزة من غيره فذلوا وراموا الثروة من سواه فافتقروا وحاولوا الارتفاع فاتضعوا فلا مستعان إلا به ولا عون إلا منه.

روي في الحديث تسمية الله تعالى في قلب كل مسلم يسمي أو لم يسم

روى البيهقي عن أبي هريرة كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يجهر في الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وهو المروي عن عمر وابنه وابن عباس وابن الزبير،

(١) فإنه قال في بحث الحال من الدلائل رق لطيف تمس الحاجة في علم البلاغة إليه، بيانه أن موضوع الاسم على أن يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدده شيئا فشيئا، وأما الفعل فموضوعه على أن يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئا بعد شيء فإذا قلت زيد منطلق فقد أثبت الانطلاق فعلا له من غير أن تجعله يتجدد ويحدث منه شيئا فشيئا بل يكون المعنى فيه كالمعنى في قولك زيد طويل وعمرو قصير فكما لا تقصد هاهنا إلى أن تجعل الطول والقصر يتجدد ويحدث بل توجبهما وتثبتهما فقط وتقضي بوجودهما على الإطلاق كذلك لا يتعرض في قولك زيد منطلق لأكثر من إثباته لزيد، وأما الفعل فإنك تقصد فيه إلى ذلك، فإن قلت زيد ينطلق فقد زعمت أن الانطلاق يقع منه جزءا فجزءا وجعلته يزاوله ويوجبه اهـ فليحفظ اهـ منه يقول مصححه محمد منير الدمشقي:

ومن أثنى على نفسه أمكن وأتم ممن أثنى عليه كيحيى وعيسى عليهما السلام ومن حصل له الذات فالأسماء تحت حكمه وليس كل من حصل اسما يكون

بعضه بعض ما أسلفناه من الآثار (١) والبعض الآخر في القلب منه شيء لأن تخصيص الرحمن بالوجود العام والرحيم بالكمالات تحكم غير مرضي وربما ينافي المأثور على أنه لا معنى لإفاضة الوجود على الكل إلا تخصيص كل ممكن بحصة منه click here وهل يوجد في الخارج من النوع إلا الحصص الإفرادية فتخصيص الإفاضة بالرحمن والتخصيص بالرحيم على ما يلوح بمعزل عن التحقيق والعجب ممن فاته ذلك (٢)، وأما عاشرا فلأن ما ذكروه في الجواب عن قول بني حنيفة بأنه غلو في الكفر فيكون الإطلاق غير صحيح لغة وشرعا فيه أنه (٣) إذا كان إطلاقه عليه تعالى شأنه مجازا كما زعموا وبالغلبة فكيف يقال: إن استعماله في حقيقته وأصل معناه خطأ لغة وقد ذهب السبكي إلى أن المخصوص به تعالى هو المعرف دون المنكر والمضاف لوروده لغيره ورد به على القول بأنه مجاز لا حقيقة له وأن صحة المجاز إنما تقتضي الوضع للحقيقة لا الاستعمال نعم هو في لسان الشرع يمنع إطلاقه على غيره مطلقا وإن جاز لغة كالصلاة (٤) على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وبذلك صرح العز بن عبد السلام وقيل: إن رحمانا في البيت مصدر لا صفة مشبهة والمراد لا زلت ذا رحمة وفيه ما لا يخفى وافهم كلامه أن الرحيم يوصف به غيره تعالى وهو المعروف لكن أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن البصري أنه قال: الرحيم لا يستطيع الناس أن ينتحلوه ولعل مراده المعرف دون المنكر والمضاف فافهم، وأما الحادي عشر فلأن المحافظة على رؤوس الآي إنما تحسن- كما قال الزمخشري- بعد إيقاع المعاني على النهج الذي يقتضيه حسن النظم والتئامه فأما أن تهمل المعاني ويهتم للتحسين وحده فليس من قبيل البلاغة (٥).

ومن غريب المنقول أن الصراط الثاني غير الأول وكأنه نوى فيه حرف العطف وفي تعيين ذلك اختلاف، فعن جعفر بن محمد هو العلم بالله والفهم عنه وقيل موافقة الباطن للظاهر في إسباغ النعمة وقيل التزام الفرائض والسنن ولا يخفى أن هذا القول خروج عن الصراط المستقيم فلا نتعب جواد القلم فيه. وقرأ ابن مسعود وزيد بن علي صراط من أنعمت عليهم وهو المروي عن عمر وأهل البيت رضي الله تعالى عنهم. قال الشهاب: وفيه دليل على جواز إطلاق الأسماء المبهمة «كمن» على الله تعالى انتهى وهو خبط ظاهر إذ الإضافة إلى المفعول لا الفاعل.

ولا كذلك الانتفاع بالإحسان وأما الإرادة فهي إن قلنا بصحة إرادتها هنا لا تصح في وجه المجاز المرسل بالنظر إليه تعالى بل إنك إذا تأملت وأنصفت وجدت الرحمة إن تسببت الإحسان أو إرادته فإنما تسببه إذا كانت هي وهو صفتين لنا ومجرد السببية والمسببية في هذه الحالة لا يوجب كون الرحمة المنسوبة إليه عز شأنه مجازا مرسلا عن أحد الأمرين وبفرض وجود الرحمة بذلك المعنى فيه تعالى كيفما كان الفرض لا نجزم بالسببية والمسببية أيضا وقياس الغائب على الشاهد مما لا ينبغي والفرق مثل الصبح ظاهر والذهن مقيد عن دعوى الإطلاق لما لا يخفى عليك فتأمل في هذا المقام فقد غفل عنه أقوام بعد أقوام، وأما سادسا فلأن كون الرحمن أبلغ من الرحيم غير مسلم وإن قال الراغب إن فعيلا لمن كثر منه الفعل وفعلان لمن كثر منه وتكرر حتى قيل الرحيم أبلغ لتأخره، وقول ابن المبارك الرحمن إذا سئل أعطى والرحيم إذا لم يسأل غضب وقيل هما سواء لظاهر الحديث الذي

(١) وهو أنه صلّى الله عليه وسلم كان يكتب بسم الله الرحمن الرحيم حتى نزلت سورة النمل

وقوله وإياك نستعين يدل على نفي الاستقلال فيه وأنه بإذن الله تعالى وإعانته كما يشير إليه لا حول ولا قوة إلا بالله وهذا هو اللبن السائغ الذي يخرج من بين فرث ودم فلا جبر ولا تفويض فاحفظه وانتظر تتمته.

عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه: « اْلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ اْلْعَٰلَمِينَ : أمُّ القرآنِ، وأمُّ الكتابِ، والسَّبْعُ المَثَاني». أخرجه أبو داود (١٤٥٧).

(٣) أي لا من باب الترقي والتتميم تقييد الكلام بتابع يفيد مبالغة نحو (ويطعمون الطعام على حبه) اهـ منه.

(١) ونقل عنه أنه مجاز في الماضي المنقطع لا مطلقا وهو خلاف المشهور وبني عليه أن مالك يوم الدين حقيقة عنده وإن لم يعتبر استمراره اهـ منه.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *